وهو كغسل الجنابة سواء. فأول ما يبتدئ به الغاسل، غسل النجاسة من المخرجين. فيباشر محل النجاسة منه بخرقة غليظة، وكونها من الصوف أبلغ في التنقية، فيدلك بها الموضع ومن يعينه يسكب الماء عليه، ثم يطهر الخرقة ثم يعيد غسل المحل وهو يدلك بها حتى يرى أنها تطهر. ثم يفيض عليه الماء المطلق غير مشوب بشيء من أوراق السدر أو غيره، من قرنه الى قدمه. ثم يغسل النجاسة عن يده حيث كانت، والبخور اذ ذاك حاضر ثم يقعده ويعصر بطنه برفق، والمعين يصب الماء إذ ذاك ويكثر من البخور أزيد مم قبله، حتى إذا رأى أنه أنقى جسده أفاض عليه الماء وأعاد غسل محل النجاسة بخرقة أخرى أو بها بعد تنظيفها. ثم يحول رأس الميت الى الأرض ويعصر أنفه برفق. فان كانت هناك فضلة خرجت. ثم يأخذ في الغسلة الأولى فيبدأ بأعضاء الوضوء فيغسلها ويمضمض فاه برفق من بعد أن يحول رأسه كما تقدم حتى يفرغ من مضمضته واستنشاقه لئلا ينزل الماء الى جوفه ثم يسوكه بخرقة من صوف، ثم يرده بعد الفراغ من الاستنشاق على الدكانة.
فاذا فرغ من أعضاء وضوئه أفاض الماء على رأسه بعد تخليل رأسه فيغسل جسده الأيمن فالأيمن والأعلى فالأعلى ويقلبه أثناء الغسل يمينا وشمالا وظاهرا وباطنا حتى يعممه بالغسل فهذه غسلة واحدة، وهي الفرض. ثم يأخذ في تنظيفه من الأوساخ بالماء والسدر كما ينظف الحي سواء. فاذا فرغ من الغسلة الثانية أخذ شيئا من الكافور وجعله في اناء ويذيبه في الماء ويغسله به كما تقدم بعد تنظيف الميت والمئزر والدكانة من أثر السدر. فاذا أراد غسله بالماء والكافور فليستره بمثل الخرقة الغليظة التي كانت عليه بعد تنظيفها أيضا، وليتحفظ من كشف العورة عند مقاربتها، ويغض بصره ما أمكنه مع التوفية بغسله، ولا يجعل الميت عند غسله بين رجليه وهو واقف على الدكانة، وذلك مكروه. بل يقف الغاسل بالأرض ويقلبه حين غسله. والتلفظ عند غسل كل عضو بذكر معين كما يفعله بعضهم بدعة، لأن المحل محل تفكر واعتبار وخشية، فليشتغل بما ذكر عن الذكر، وهو عمل السلف رضي الله عنهم.
فاذا فرغ من هذه الغسلة الثالثة فقد تم غسله. ثم يتفقد فمه وأنفه من الماء لاحتمال أن يكون قد دخل في جوفه شيء منه، فيميل رأسه خارجا عن الدكانة وينظف ما تحت أظفاره بعود أو غيره، ولا يقلمها لأنه بدعة، ويسرح لحيته بمشط واسع الأسنان وكذلك يفعل برأسه، ويرفق به في ذلك. فان خرج شيء في المشط من الشعر جمعه وألقاه في الكفن ويدفن معه. ثم يأخذ قطعة من ثوب فينشف بها جميع بدن الميت، ثم ينشف بها الدكانة لئلا يبتل بها ما يجعل على الميت من قميص أو غيره، ثم يأخذ في تحنيطه. فأول شيء يفعله أن يأخذ قطنة ويجعل عليها شيئا من الحنوط والكافور، وهو أولى لأنه يبرد المواد فيجعلها على فمه، ثم أخرى كذلك فيسد بها ثقبة أنفه، ثم أخرى في الثقبة الأخرى ويرسلها في أنفه قليلا، ثم يأخذ خرقة ويسدها على الأنف والفم ثم يعقدهما من خلف عنقه عقدا وثيقا تبقى كأنها اللثام، ثم يجعل على عينيه وأذنيه خرقة ثانية بعد وضع القطن مع الطيب على عينيه وأذنيه، ويعقدهما عقدا جيدا فتصير كالعصابة. ثم يأخذ خرقة ثالثة فيشد بها وسطه. ثم يأخذ خرقة رابعة فيعقد في هذه الخرقة المشدود بها وسطه أو يخيطها فيها ثم يلجمه بها بعد أن يأخذ قطنة ويجعل عليها شيئا من طيب فيجعلها على باب الدبر ويرسل ذلك قليلا برفق ويزيد للمرأة سد القبل بقطنة اخرى.
ويفعل فيها كما تقدم في الدبر سواء. ثم يلجمها عليها بالخرقة المذكورة، ثم يربطها ربطا وثيقا ثم يأخذ في تكفينه فيشد على وسطه مئزرا أو يلبسه سراويل، والسراويل أستر له، ثم يلبسه القميص. قال الامام مالك رحمه الله: والذي عليه العمل أن الميت يقمص ويعمم ويجعل من العمامة ذؤابة يحنكه بها كالعمامة الشرعية في حق الحي ويشد التحنيك على الميت ولا يرخي كالحي ويستوثق في عقده لئلا يسترخي ذقنه ويفتح فاه فيخرج شيء يلوث الكفن، ثم يعممه بباقي العمامة ويشدها شدا وثيقا بخلاف عمامة الحي ثم يبسط الذؤابة على وجهه. وكذلك يفعل بما فضل من المقنعة في حق المرأة يستر بها وجهها ثم ينقله الى موضع الكفن فيجعله عليه ويخيطه. ومواضع الحنوط خمسة أحدها ظاهر جسد الميت، الثاني ما بين أكفانه، ولا يجعل على ظاهر الكفن. الثالث المساجد السبعة: الجبهة والأنف والكفان مع الأصابع والركبتان وأطراف أصابع الرجلين، الرابع منافذ الوجه السبعة، الخامس الأرفاغ وهي مغابن الجسد خلف أذنيه وتحت حلقه وتحت ابطيه، وفي سرته وفيما بين فخذيه وأسفل ركبتيه وقدميه. وذلك بحسب كثرة الطيب وقلته، فان قل فليقتصر على الأرفاغ والمساجد.