هذا امام كبير، و شيخ عظيم، كان له في (جزولة) نحو ثلاثين سنة مقام عظيم عند جميع الناس عامتهم و خاصتهم. و قبل أن نقول فيه كلمتنا نورد ما قاله فيه المؤرخون قبلنا . قال فيه حفيده الأستاذ سيدي محمد-فتحا- بن البشير: (هذه نبذة يسيرة من حياة الشيخ سيدي الحاج المدني الافراني التانكرتي الناصري نسبا، التاوريرتي مدفنا، رحمه الله تعالى و رضي عنه.
أما ولادته ففي زاوية (ازيض) ب (راس الوادي) حسبما رأينا بخط بعض أعمامه و نصه: ولد لابن عمنا البركة سيدي أحمد بن الحسن ولد مع زوجته بنت عمه آمنة بنت أبي القاسم ابن علي في السادس من شوال عام 1251هـ.و سميناه محمدا المدني بن أحمد، أنبته الله نباتا حسنا و هناك أمضى صاحب الترجمة الطور الأول من حياته، و تعلم القرآن والمبادئ، و لكن شيئا من الغموض اكتنف هذا الطور من حياته، حال دون معرفة الظروف التي تقلب فيها، إلى أن بلغ مبلغ الرجال، فلا ندري بالضبط من أي مسجد هناك قرأ القرآن، ولا عمن قرأ و كل ما أعلم أنه لما حفظ القران الكريم و بعض المبادئ قدم إلى (إفران) لزيارة عمه الصالح سيدي القرشي بن علي ابن يوسف، و هو يومئذ كما طر شاربه، فمكث عنده أياما أو شهور، و عمه المذكور إذ ذاك مستوطن ب (سوق افران) فاستأذنه في الذهاب مرارا فلم يأذن له، فعزم على الذهاب من غير إذنه، وكان العم ينام نومة في القائلة اعتيادا، و في بعض الأيام دخل الولد المنزل لنومة عمه، فخرج ناويا الانتقال، فلما بلغ الموضع المسمى (منكب إفران) وجد عمه هناك، كأنه في انتظاره، فعد ذلك من كراماته، فحينئذ أخذ بيده، وقد استولى عليه الخجل، ثم قال له يا فلان هربت منا.
فرجع به إلى الدار، فلما استقر بهما الجلوس ضرب العم بيده الأرض، ثم قال له يا مدني أن أهل الدائرة قيدوك في هذا البلد، أو كلا ما هذا معناه. و بعد مدة زوجه من ابنته (ربيعة) فأقام معه ب (سوق إفران) إلى أن توفاه الله، فقام بأمر الزاوية من بعده، يقصده الزوار و الفقراء، عادة ورثوها من أجدادهم، بقى هكذا مدة، فكان أهل (تانكرت) خلالها ياتونه، و يرغبون منه في الاستيطان بين ظهرانيهم، فلما لبى رغبتهم شرعوا في بناء زاويته المعروفة له اليوم، بالموضع المسمى بالظل- آمالو- إزاء قرية (تاوريرت) وكان الشروع في بنائها ما بين عام 1280هـ. و عام 1281هـ على ما نظن و بعد الفراغ من بنائها بنحو خمس سنين انتقل إليها، فاستقر مطمئن البال، رافلا من رغد العيش، في أضفى سربال، و بها ولد جل أولاده.
كان رحمه الله تعالى محبا للعلماء يستغرق جل أوقاته في المذاكرة و المدارسة، يستقدمهم من النواحي لهذا الغرض الشريف، و له مكاتبات و مراسلات مع زملائه المتصوفين، تفيض شوقا و غراما ، و تعظيما و احتراما، و هذه تعزية من الشيخ سيدي الحاج على الدرقاوي عزى بها صاحب الترجمة ببعض أعمامه و قع الاختيار عليها لأسلوبها الصوفي المحض
…. يتبع
عن المعسول – محمد المكي بن ناصر