وهذه تعزية من الشيخ سيدي الحاج على الدرقاوي نصها الحرفي بخط بعض الفضلاء.
من علي بن أحمد الدرقاوي إلى من هو قطب الوجود. و منه يستمد المعدوم و الموجود، من خضعت له رقاب العباد، في جميع الأقطار و البلاد، و استوت سفينة سيره لربه على جودى الرشد و الأرشاد، و من بالله و لله و في الله التقريب و الأبعاد، و استوت عنده في جانب الله الأضداد و الأنداد، فصار متوجا بتاج الأنس بمناجاة الوحيد، على كرسي التجريد و التفريد و التوحيد تحت عرش حضرة قدس العزيز الحميد، فسقاه كاس الوحدانية الفردانية الصمدانية، المشتملة على السكر بالصفات و الأفعال و الذات الربانية، فصار يقول بحاله أو مقاله: – طويل –
شربت حميا حبكم مذ عرفتكم على ظمـــا منى فزاد تلهـــــــــــــــبي
فلا مورد للعالمين كمــوردي و لا مشرب للعـــــــــــاشقين كمشربي
فلي رتبة تعلو على كل رتبة و لي منصب يسمو على كل منــصب
فيزداد بشرب الكاس، اشتياقا لا يقاس، كما قيل.
يزيد ظماه كلما ازداد شربه من الحب فأعجب منه ظمآن في شرب
و أعجب منه قربه لحبيبه فيزداد بالقرب اشتيـــــــــاقا إلى القرب
فلا الشرب يرويه و لا القرب يشتفي به القلب بل يزداد كربا على كـــــــرب
وكما قيل:- الوافر –
شربت الحب كاسا بعد كاس فلا نفذ الشراب و لا رويت
فصار يعوم في بحر محيط الطويل الكامل و البسيط، فشهد فيه الكون تجلي الصفات مقابلة بصفاته، و تجلى الأفعال مقابلة بأفعاله، و تجلى الذات مقابلة بذواته، لان من تحقق بوصفه الذي هو الذل و العبودية، يمده بوصفه من العز و أوصاف الربوبية، قال (و نريد أن نمن على الذين استضعفوا) الآية فإذا من عليه يكون سمعه الذي يسمع به، الحديث القدسي (تلك الدار الآخرة) الآية وهذا الوصف الذي هو العبودية لله تعالى هو الذي أسكنه منازل الأبرار، و افاض عليه ديم الأسرار و الأنوار.
(إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا) أعني بهذا السيد المبجل، المعظم المكرم المفضل. الذي رسخت محبته في قلب من لا يعرفه، و أحرى من عرفه أو سمعه. أبا عبد الله المدني الناصري، الذي هو العلم المنيف في الدين و الخير لما جبل عليه من خدمة المولى الكريم حتى عظم نفسه، و حقر فلسه، وجلب أنسه.
نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر و الإقداما
أبا عبد الله سيدي محمد المدني الناصري نصره الله على جميع أعدائه حسا ومعنى، سفرا ومغنى، سلام الله و رحمته و بركاته، و بعد فزادكم الله العناية و أبعدكم من الجناية، و أتاح لكم من كل شر الوقاية، و وقاكم من أهل الضلال و الغواية، و سبب أرعاف الأقلام، التي هي عوض عن الأقدام. لما جبن مثلنا عن الأقدام، تعزيتكم في عمكم الأعز، و صنوكم الأبر، الذي صار إلى رحمة ربه، و قبيل المصطفى وركبه، سيدي محمد بن أبي بكر عظم الله أجرنا و أجركم في مصيبة. فأصبروا و احتسبوا (كل من عليها فان) و لا بد من يوم ترد الودائع) فإن الموت هو الذي زين الدنيا و صوبها، فلو خلقت الدنيا بلا موت، وكنا فيها على الدوام، لرأينا التعب و النصب. لكن لما خلقها الله و قارنها بالموت و الفوت و العدم لا باس علينا، و هذا خلاف ما فهمته العامة من قولهم الدنيا لافائدة فيها لما آلت للفناء، وذلك لقلة عقلهم و فهمهم، و عمى بصيرتهم، و نحن نقول بخلاف قولهم، لأن العاقل لا يرضى بالدنئ عوضا عن العلى ابدا، و أما سكرات الموت فبحسب الخير الذي بعده، فليست إلا بمثابة الحرث في وقت البرد، لما يحصل من الزرع، كل الناس يصبرون لتعب الدنيا ليحصل القليل من الراحة، و نحن لا نصبر على قليل من التعب ليحصل كثير من الراحة في الآخرة، بلى ورب الكعبة لا نرضى بالدنئ عوضا عن العلى ابدا. و أحرى من لم يفرح بلقاء الحبيب، فليس بلبيب، انظر أهل الدنيا في لقاء الملوك كيف يكون فرحهم، و لا يتأنون إذا قيل تكلموا، فو الله و الله و الله ما نحن في هذه الدنيا إلا بمثابة من سجن في السجن، فإذا دعى للخروج أتراه يستهزئ، أو يقول لهم لم نحتل، لا بل يسرع، وكل شيء يريده يجده إذا خرج، وكذلك كلنا ننتظر الداعي أينما كنا، ليس عندنا في هذه الدنيا أمر ننتظر قضاء ه، سوى لقاءه، لا مال و لا ولد.
فادع الله يا سيدي المدني لنا في كل موطن الدعاء، فإن المحبة لله بلا علة، هي التي تنفع يوم لا بيع فيه و لا خلة، و هي دائمة بيننا و بينك و الحمد لله، و السلام يوم الإثنين الأخير في جمادى الأولى).
هذا غيض من فيض، وقل من كثر، من أخبار هذا الشيخ رحمة الله تعالى عليه.
أما وفاته فقد رأيت بخط محبه في الله العالم النحرير سيدي ييدر ابن الحاج أحمد السوقي ما نصه. (وبعد فقد توفي حبنا في الله و من أجله، سليل الأشياخ آل ابن الناصر الشيخ القدوة السنى سيدي محمد المدني بن سيدي أحمد بن الحسن بن علي بن يوسف الناصري زوال يوم الخميس الاثني و العشرين من رجب الفرد عام 1306 هـ وولادته في سادس شوال عام 1251هـ و عمره 55 سنة غير شهرين واثنين وعشرين يوما. ومن كراماته أنه قال لي في المنام آخر الليل يوم السبت السابع من رجب، لا تتخلف عنا يوم الخميس الآتي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابد من القدوم على الله، انتهى ، وكتبه في التاريخ أعلاه ييدر بن الحاج أحمد بن علي وفقه الله.)
أما أولاده فأكبرهم أحمد بن المدنى، ولادته عام 1286 ووفاته 1355هـ ثم أخوه القرشي وولادته في حدود التسعين على ما نظن، ووفاته وسط شعبان الأبرك 1341هـ ثم أخوهما بالأب البشير بن المدني، ولادته 1292هـ كما وجدت بخط والده، ووفاته 25 جمادى الثانية 1366هـ.ثم أخوه الشقيق الطاهر بن المدني، ولادته 1294 ووفاته في صفر عام 1326هـ رحمه الله على الجميع بالنبي الشفيع). انتهى ما كتبه الحفيد.
وقال الأستاذ سيدي محمد بن أحمد الإيكراري في كتابه (روضة الأفنان): ومنهم ذو الأنفاس الرائقة، و الدعوات الفائقة، و الحكايات التي أمست لها القلوب شائقة، و الخواطر تائقة، الاحسب الأنسب، الذي ما وراءه منتسب، الأجل الغطريف، خادم الحديث الشريف السيد الحاج المدني الناصري الزينبي الجعفري، على مدعى مؤلف (زهر الأفنان) و إن خالفه معاصروه ممن لهم في هذا الفن أصيل الأغصان، إذ جعلوهم من نسل المقداد ابن عم خديجة الطويل في الفضل النجاد، و هو المشتهر قدما في كل ناد، و لم ينكره من عمودهم من تقدم وساد، كسيدي محمد، وابنه سيدي أحمد، و لا يخفى عليهم ذلك، لو كان بطريق الرواية او بطريق الكشف. ومع أنهما لا يغفلان عن ذلك، لأنه مرتبة لا أعلى منها، و لم يثبت عنهما ادعاؤه، و لا لهما إليه انتماؤه، قالوا وهذا في عهدته، حلم به في رقدته، و الله أعلم بالصواب، و إليه المرجع و المئاب، و سيرته رحمه الله إرشاد العباد، وحب الخير لهم، و الرأفة بضعفائهم، لا يمل في المجاهدات، و يميل عن خبث العادات، يحب العلماء و يجل القدماء، لا يذكر أحدا بسوء و لا يخطر على قلبه السوء، قوله مرحبا وسهلا، أينما حل حزنا وسهلا، فيالها من بشارة ما أعظمها، ومنة ما أكرمها، أدى للإحسان و الإكرام قدرا، وحل في مجلسه صدرا، لا يزاحمه زيد و لا عمرو، بل اختص فيه بالإبرام و الأمر، تساعده المسرات على مرور الأزمنة و الأحقاب وأرته عرائس الأماني حالية الطلى حاسرة النقاب، فلتك عنا خير نائب في لثم تلك الراحة و أن تعذر فلتمرغ في تلك الساحة، و آمرها بإقراء السلام. و جليل التحية و الإكرام، ما طلع قمر وأينع ثمر، توفي رحمه الله عام 1306 بداره ب (تانكرت) محل ماء، و مكان (تيغرست) فبنيت عليه قبة حافلة عام 1349 على يد المعلم محمد ابن الحاج بيبو الجراري أثابه الله يوم الجزاء بشفاعة الذي له فيها الثواء، بجاه النبي وآله، و البخاري و رجاله، فقد ورث مجده و سره أولاده الذين لهم القعود على الأسرة ممن ينسج على منواله، في عبادته و نواله، فالله يبقى فيهم سره للمعاد، و يديم عليهم الستر للتناد،
آمين آمين لا أرضى بواحدة حتى أضيف إليها ألف آمينا.
….يتبع
عن المعسول – محمد المكي بن ناصر