اسمه ومولده
أبو علي الفضيل بن مسعود بن بشر التميمي، كان إمامًا ربانيا صمدانيا عابدًا، شديد الخوف، دائم الفكر. ولد بخراسان، بكورة أَبِيوَرْدَ، من ناحية مَرْو، ونشأ بها، وقدم الكوفة وهو كبير. وقيل: إنه وُلد بسَمَرْقَنْدَ.
بدء أمــره
أسند القشيري قال: كان الفضيل شاطرًا (أي قاطع طريق)؛ يقطع الطريق بين أَبِيوَرْدَ وسَرخسَ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليًا يتلو: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) فقال: يا رب، قد آن. فرجع، فآواه الليل إلى خَرِبة، فإذا فيها رُفقة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح؛ فإن فُضَيْلاً على الطريق يقطع علينا. فتاب الفضيل وأمَّنهم. وجاور الحرم حتى مات.
من كلامه رضي الله عنه
قال رضي الله عنه (قلوب العارفين: الهموم عمرانها، والأحزان أوطانها، وجعل الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد فيها، ومن خاف الله لم يضره شيء، ومن خاف غيره لم ينفعه شيء، ويهابك الخلق على قدر هيبتك لله).
وقال أيضًا (إذا أحبَّ الله عبدًا أكثر غمه، بتذكره أمر آخرته، وبتقصيره في أمر دينه. وإذا أبغض عبدًا وسَّع عليه دنياه. قال الشيخ زكريا الأنصاري: «أي: شغله عنه بحبه لها».
وقال (لو أن الدنيا بحذافيرها عُرِضَت عليَّ ولا أُحاسب بها لكنت أتقذرها، كما يَتَقَذَرُ أحدكم الجِيفَةَ إذا مَرَّ بها أن تُصِيبَ ثَوْبَهُ)
وقال (لو حلفتُ أني مُرَاءٍ أحب إليَّ من أن أحلف أني لست بمُرَاءٍ)
وقال: تَرْكُ العمل لأجل الناس (أي: لأجل ثنائهم) هو الرياء، والعمل لأجل الناس (أي: حبًّا في الحمد؛ أو نيلاً لعَرَضٍ فانٍ) هو الشرك. وقال: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق حماري وخادمي. (أي: بأن يتعصى عليه حماره، وهذا يفعله الله حفظًا لأوليائه إذا قَصَّروا في أحوالهم فيما بينهم وبينه، أدبهم ليرجعوا إليه بسرعة، وتارةً يعكس عليهم أسباب دنياهم، وتارةً أخرى بأسباب آخرتهم من تغير قلوبهم وعدم نشاطهم، فإذا رجعوا إليه بالتَّذَلُّلِ والسؤال مَنَّ عليهم بشريف نواله).
قالوا عنه
قال أبو علي الرازي (صحبتُ الفُضَيْلَ ثلاثين سنةً ما رأيته ضاحكًا ولا مبتسمًا إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أحب أمرًا فأحببت ذلك). وفيه دليل على كمال حزنه في سائر أوقاته، وإنما تكلف الضحك والسرور بموت ولده على خلاف عادته؛ لأنه علم أن الله تعالى يحب منه هذه الحالة؛ لكونها دليل الرضا بقضائه.
وفـــــــاته
قال ابن المبارك ( إذا مات الفُضَيْلُ ارتفع الحزن؛ لكونه أكثر الناس حزنًا في وقته). مات رحمه الله تعالى بمكة في المحرم، سنة سبع وثمانين ومائة. رضي الله عنه وعنا به ونفعنا ببركته في الدارين. آمين.