تقديم
أحمد الرفاعي، الفقيه الشافعي الأشعري الصوفي، الملقب بـأبي العلمين و شيخ الطرائق و الشيخ الكبير و أستاذ الجماعة . إليه تنتسب الطريقة الرفاعية من الصوفية. أحد أقطاب الصوفية المشهورين.
اسمه ونسبه ومولده
و هو السيد أحمد أبو العباس بن علي بن يحيى بن ثابت بن حازم علي أبي الفوارس بن أحمد المرتضى بن علي بن الحسن الأصغر المعروف برفاعة بن مهدي المكي أبو رفاعة بن أبي القاسم محمد بن الحسن القاسم المُكنى بأبي موسى بن الحسين عبد الرحمن لقبه الرضي المحدث بن أحمد الصالح الأكبر بن موسى الثاني بن إبراهيم المُرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي الأصغر بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ولد فى قرية حسن بالبطائح (من واسط بالعراق) سنة 512 هجرية ، وينسب إلى بنى رفاعة – قبيلة من العرب -. درس القرآن العظيم وأتم حفظه وترتيله على الشيخ الورع المقرئ الشيخ عبد السميع الحربونى بقرية حسن وكان له من العمر سبع سنين وفى هذه السنة توفى أبوه فى بغداد وكفله خاله الباز الاشهب الشيخ منصور البطائحى. و هو الذى أدخله على الإمام العلامة الفقيه المقرئ المفسر المحدث الواعظ الصوفى الكبير الشيخ أبى الفضل على الواسطى، فتولى أمره وقام بتربيته وتأديبه وتعليمه، فبرع بالعلوم النقلية والعقلية وأحرز قصب السبق على أقرانه.
كان يلازم درس خاله الشيخ أبى بكر شيخ وقته وسلطان علماء زمانه، كما كان يتردد على حلقة خاله الشيخ منصور ويتلقى بعض العلوم عن الشيخ عبد الملك الحربونى. استغرق أوقاته بجمع المعارف الدينية ، وقد أفاض الله عليه من لدنه علما خاصا حتى رجع مشايخه إليه وتأدب مؤدبوه بين يديه.
وفى العشرين من عمره أجازه شيخه الشيخ أبو الفضل على محدث واسط وشيخها إجازة عامة بجميع علوم الشريعة والطريقة وألبسه خرقته المباركة وأعظم شأنه ولقبه: أبا العلمين (الظاهر والباطن) وانعقد عليه فى حياة مشايخه الاجماع واتفقت كلمتهم على عظم شأنه ورفعة قدره. أسس الطريقة الرفاعية، وكان يقول لمريديه: (من تمشيخ عليكم فتتلمذوا له ومن مد يده إليكم لتقبلوها فقبلوا رجله ومن تقدم عليكم فقدموه وكونوا آخر شعرة فى الذنب. فإن الضربة أول ماتقع فى الرأس). وكان شافعى المذهب قرأ كتاب التنبيه للشيخ أبى اسحق الشيرازى وما تصدر قط فى مجلس ولا جلس على شئ الا تواضعا. وكان لا يتكلم إلا يسيرا ويقول (أمرت بالسكوت).
وفاته رحمه الله تعالى و رضي عنه
توفى رحمه الله ظهر الخميس ثانى عشر جمادى الأولى سنة 570هـ وكان يوما مشهودا وكان آخر كلمة قالها: (أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله). ودفن فى قبر الشيخ يحيى البخارى بأم عبيدة بالعراق.
اخلاقه و سيرته رضي الله عنه
كان الإمام أحمد الرفاعي الكبير متواضعا في نفسه، خافضا جناحه لإخوانه غير مترفع ولا متكبر عليهم، وروي عنه أنه قال : “سلكت كل الطرق الموصلة فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذل والانكسار، فقيل له : يا سيدي فكيف يكون ؟ قال : تعظم أمر الله، وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة سيدك رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وكان الإمام الرفاعي يخدم نفسه، ويخصف نعله، ويجمع الحطب بنفسه ويشده بحبل ويحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين وأصحاب الحاجات، ويقضي حاجات المحتاجين، ويقدم للعميان نعالهم، ويقودهم إذا لقي منهم أناسا إلى محل مطلوبهم، وكان يمشي إلى المجذومين ويغسل ثيابهم ويحمل لهم الطعام، ويأكل معهم ويجالسهم ويسألهم الدعاء، وكان يعود المرضى ولو سمع بمريض في قرية ولو على بعد يمضي إليه ويعوده، وكان شفيقا على خلق الله يرأف باليتيم، ويبكي لحال الفقراء ويفرح لفرحهم، وكان يتواضع كل التواضع للفقراء. وقد قال مشايخ أهل عصره: (كل ما حصل للرفاعي من المقامات إنما هو من كثرة شفقته على الخلق وذل نفسه). وكان رحمه الله تعالى يعظّم العلماء والفقهاء ويأمر بتعظيمهم واحترامهم ويقول: (هؤلاء أركان الأمة وقادتها).كان رحمه الله تعالى ورضي عنه و عنا به متجردا من الدنيا، ولم يدخر أموالها، بل كان لا يجمع بين لبس قميص وقميص لا في صيف ولا في شتاء، مع أن ريع أملاكه كان أكثر من ريع أملاك الأمراء، وكان كل ما يحصل منها ينفقه في سبيل الله على الفقراء والسالكين والواردين إليه، وكان يقول: الزهد أساس الأحوال المرضية والمقامات السنية. وكان يقول: طريقي دين بلا بدعة، وعمل بلا كسل، ونية بلا فساد، وصدق بلا كذب، وحال بلا رياء.
تلاميذه
كثُر تلاميذه رضي الله عنه في حياته وبعد مماته حتى قال ابن المهذب في كتابه “عجائب واسط”: (بلغ عدد خلفاء السيد أحمد الرفاعي وخلفائهم مائة وثمانين ألفا حال حياته). ومن عظيم فضل الله على السيد أحمد الرفاعي أنه لم يكن في بلاد المسلمين مدينة أو بليدة أو قطر تخلو زواياه وربوعه من تلامذته ومحبيه العارفين المرضيين. ومن الذين ينتمون إليه:
- الشيخ الحافظ عز الدين الفاروقي.
- الشيخ أحمد البدوي.
- العارف بالله أبو الحسن الشاذلي.
- الشيخ السيد عبد الله الحراكي الحسيني ابن عمته.
- الشيخ نجم الدين الأصفهاني شيخ الإمام إبراهيم الدسوقي.
- و الشيخ أحمد علوان المالكي.
- الشيخ الحافظ جلال الدين السيوطي.
- الشيخ علي الخواص.
قال القاضي أبو شجاع الشافعي صاحب المتن المشهـور في الفقه الشافعي: كان السيد أحمد الرفاعي علما شامخا، وجبلا راسخا، وعالما جليلا، محدثا فقيهًا، مفسرًا ذا روايات عاليات، وإجازات رفيعات، قارئا مجودًا، حافطا مُجيدا، حُجة ، متمكنا في الدين، أعلم أهل عصره بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بحرا من بحار الشرع، و سيفًا من سيوف الله، وارثا أخلاق جده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
من كراماته رضي الله عنه
من أشهر كراماته تقبيله يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أنكر وقوعها أناس كثيرون وأثبت وقوعها آخرون مثل الحافظ السيوطي، والمحدث المناوي، والإمام الشعراني وغيرهم من العلماء. يقول الإمام عز الدين الفاروقي في كتابه “إرشاد المسلمين”: (أخبرني أبي محي الدين أبو إسحق عن الشيخ عمر الفاروقي أنه قال: كنت مع شيخنا السيد أحمد الكبير الرفاعي الحسيني عام حجه الأول وذلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وقد دخل المدينة يوم دخول قوافل الزوار من الشام والعراق واليمن والمغرب والحجاز وبلاد العجم وقد زادوا على تسعين ألفا، فلما أشرف على المدينة المنورة ترجل عن مطيته ومشى حافيا إلى أن وصل الحرم الشريف المحمدي ولا زال حتى وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية فقال : السلام عليك يا جدي، فقال رسول الله له: “وعليك السلام يا ولدي” سمع كلامه الشريف كل من في الحرم النبوي، فتواجد لهذه المنحة العظيمة والنعمة الكبرى وحنَّ وأنَّ وبكى وجثا على ركبتيه مرتعدا ثم قام وقال:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها … تقبل الأرض عنـــــي وهي نائبتي
وهذه دولــــة الأشباح قد حضرت … فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة النورانية من قبره الأزهر الكريم فقبلها والناس ينظرون، وقد كان في الحرم الشريف الألوف حين خروج اليد الطاهرة المحمدية، وكان من أكابر العصر فيمن حضر الشيخ حياة بن قيس الحراني، والشيخ عدي بن مسافر، والشيخ عقيل المنبجي، وهؤلاء لبسوا خرقة السيد أحمد في ذلك اليوم واندرجوا بسلك أتباعه، وكان فيمن حضر الشيخ أحمد الزاهر الأنصاري، والشيخ شرف الدين بن عبد السميع الهاشمي العباسي، وخلائق كلهم تبركوا وتشرفوا برؤيا اليد المحمدية ببركته رضي الله عنه، وبايعوه هم ومن حضر على المشيخة عليهم وعلى أتباعهم رحمهم الله. انتهى كلام الفاروقي.