الكلام في الإسلام والايمان
أما الإسلام فهو الإستسلام، والإستسلام هو الإنقياد، والانقياد هو الإمتثال، لقوله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) وأما محله فهو الصدر لقوله تعالى: ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) وأما داعيه فهو السؤال لقوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وأما شرطه فهو كف الأذى لقوله صلى الله عليه وسلم <المسلم من سلم الناس من لسانه ويده وفرجه> وإن قال لك قائل: ما الإيمان؟وما محله وما داعيه وما شرطه وما حقيقته؟ فقل له أما الإيمان فهو التصديق لقوله تعالى ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) وأما محله فهو القلب لقوله تعالى ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) وأما داعيه فهو النظر في الأشياء لقوله تعالى: ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) وقوله ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت) إلى آخر الآية، وأما شرطه فهو التقوى لقوله تعالى (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) وأما حقيقته فهي قوله عليه السلام لا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه، قال أبو القاسم: وفي الإيمان ما يزيد ولا ينقص وفيه ما يزيد وينقص، وفيه ما لا يزيد ولا ينقص، وفيه ما ينقص ويزيد، فأما ما يزيد ولا ينقص فهو إيمان الملائكة، فإيمانهم يزيد على الدوام وليس لهم معصية تنقص إيمانهم، وأما مالا يزيد ولا ينقص فهو إيمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأما ما ينقص ويزيد فهو إيمان المسلمين، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإن قال لك قائل هل الإيمان أعلم من الإسلام أو الإسلام أعلم من الإيمان فقل له الإيمان أخص من الإسلام لأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، لأن المنافقين والزناديق يظهرون الإسلام ويعتقدون الكفر، والإيمان ينقسم على أربعة أقسام إيمان كافر وإيمان جاحد، وإيمان بدعي، وإيمان كامل، فإيمان كافر قول بلا عمل، وإيمان جاحد قول وعمل بلا نيـة وإيمان بدعي قول وعمل بنية بلا موافقة السنة، وإيمان كامل قول وعمل ونية وموافقة السنة.
وأما إن قيل لك هل الإيمان والإسلام شيئان أو شيء واحد، فقل هما شيئان أو شيء واحد، وحجة من قال هما شيئان قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) وحجة من قال هما شيء واحد قوله تعالى : (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وقيل أيضا هما شيئان لأنه قد جاء في الخبر الصحيح أن جبريل عليه السلام نزل في صورة أعرابي فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني عن الإيمان ما هو يا محمد، فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره، فقال صدقت، يا محمد وما هو اللإسلام؟ فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإيمان والإسلام فجعل الإيمان من أفعال الجوارح الباطنة وجعل الإسلام من أفعال الجوارح الظاهرة . وبالله التوفيق .