الحمد لله الذي زين سماء أوليائه المتقين الأخيار بأنوار مصابيح المعارف والأسرار والصلاة والسلام الاتمان الاكملان على سيدنا ومولانا وحبيبنا نبي الرحمة ورسول العصمة محمد النبي الأمي وعلى اله الأخيار وصحابته الهداة الأطهار ورضي الله تعالى عن بحر الأنوار الزاخر وطود العلوم الشامخ الباهر مولانا الشيخ سيدي محمد بن محمد بن احمد بن محمد بن الحسين بن ناصر الدرعي وأرضاه. أما بعد، فقد أحببت أن أقف عند بعض التقاييد والتواريخ التي سجلت حياة الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر سيدي ومولاي محمد بن ناصر اسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم شفاعته ويهدينا جميعا لسلوك نهجه واقتفاء أثره ولزوم اعمال طاعته واحسانه، فقد صحت عنه افعال البر كلها من حج واعتمار واعتكاف ومرابطة وصيام وقيام وامر بمعروف ونهي عن منكر ودعوة إلى الله تعالى بقصد وجهه تقدس وتعالى واستمر على ذلك حتى اتاه اليقين.
مولد الشيخ رضى الله عنه
ولد الشيخ سيدي محمد يوم الجمعة من شهر رمضان المعظم سنة 1011 هـ. ولقد نشا في حجر والده الولي الصالح سيدي محمد بن احمد ووالدته السيدة الصالحة القانتة فاطمة بنت احمد بن يحيى بن ناصر بن عمرو. حفظ كتاب الله على والده، ولم يزل في الاخذ عنه علما وعملا، الى ان ادرك وبلغ مبلغ الرجال فقام بامور ابيه احسن قيام، حيث كان ينفق على والدته واخوته: سيدي الحسين بن محمد والسيدة عائشة( الاخت الكبرى) والسيدة مريم( الاخت الصغرى)، ولم يصده ذلك عن تعاطي العلم والقيام بامر دينه. اخذ العربية واللسان والفقه عن شيخ الجماعة العالم الصالح ابي الحسن علي بن يوسف الدرعي. وقد حصلت له مع الشيخ ابي الحسن حكاية عجيبة: فقد كانت والدة سيدي محمد نسجت ثوبا جديدا سابغا جعل يرتديه، وكان على شيخه واستاذه ابي الحسن ثوب بال، فرصده سيدي محمد حتى دخل المغتسل فوضع ثوبه الجديد الذي نسجت له والدته مكان ثوب شيخه ابي الحسن واخذ ثوب شيخه البالي. فلما خرج الشيخ من مغتسله وجد ثوبا جديدا مكان ثوبه، فسال عن ذلك، فقيل له ان سيدي محمد بن ناصر استبدل ثوبك بتوبه، وآثرك به عليه، فأعظم الشيخ أبو الحسن علي بن يوسف ذلك، ودعا له بما ظهرت بركته عليه وعلى عقبه من بعده و الله يختص بفضله من يشاء. ولما استكمل قراءته على الشيخ ابي الحسن سافر مدة في طلب المزيد من فقه دينه وعلوم عصره، ثم عاد الى اغلان ومكث ردحا من الزمان قائما بامور والدته واخوته. ثم سافر إلى بلاد دادس برسم الشرط فأقام بالجرفة وهي قرية من قرى دادس ولزمها مدة، ثم عاد الى اغلان فترتب اماما بجامعها الاعظم وسنه وقتئذ بضع وعشرون سنة، ثم ما لبث ان تصدى به للتدريس والخطابة ثم بزاوية والده القديمة باغلان.
انتقاله رضى الله عنه الى تامكروت
فتح الله على سيدى محمد بن ناصر بالمسير إلى الشيخين الزاهدين العالمين الورعين: القطب سيدى عبد الله بن حسين القباب، وسيدى احمد بن ابراهيم الانصارى، فوفقه الله للاتصال بهما وسنه عامئذ سبع وعشرون سنة. وافاهما بعدئذ دله عليهما صهره وقد حان موعد صلاة المغرب فصلى معهما فلما سلما شرعا فى قراءة : (لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير). فقال سيدى محمد في نفسه: هذه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(كان صلى الله عليه وسلم يقول :(لا اله الا الله وحده لا شريك له…) بعد صلاة الصبح وبعد المغرب عشرا ثم يقول اللهم أجرنا من النار سبعا ( كشف الغمة للامام الشعراني). فخلا سيدي محمد بن ناصر بسيدي احمد بن ابراهيم وقال له: إني أردت ان تذهب معي الى الشيخ سيدي عبد الله بن حسين ليلقنني الورد الشاذلي فقال له: استاخر الله في ذلك. فقال سيدي محمد في نفسه: وهذه سنة اخرى من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه صلى الله عليه وسلم كان يعلم اصحابه الاستخارة في الامور كلها. ثم قال لسيدي احمد بن ابراهيم : اني قد استخرت الله تعالى قبل مجيئي، فذهب معه الى الشيخ سيدي عبدالله بن حسين، فلقنه الذكر. وهكذا كان اول اتصال له بالشيخين. ثم ان الشيخ سيدى محمد، صار يتردد الى زيارتهما مرة بعد مرة، وكان كلما حضرللقائهما، يتلقاه سيدى احمد بن ابراهيم بحديث حاجة الزاويه الى فقيه عالم عامل ينفع الله به العباد، و الزاويه وسائر البلاد. فقال له سيدي محمد ذات مرة لعلك يا سيدي تعنيني فقال له: نعم اياك اعني. فقال له سيدي محمد بن ناصر : اني يا سيدي ارغب في ذلك اكثر منك الا ان لي ابوين لا يريدان فراقي، فطلب منه سيدي احمد بن ابراهيم ان يتلطف في احضار ابيه الى الزاوية ليكلمه في شان انتقال ابنه سيدي محمد اليهما. غير أن والد سيدي محمد أبى ذلك معتذرا بان ابنه إمام وخطيب جامع اغلان. ثم شاءت القدرة الإلهية أن يكمل مرغوب الشيخين بانتقال سيدي محمد بناصر إلى تمكروت، فترتب بزاويتها لإقامة الدين وتعليم المسلمين كما كان من قبل بزاوية أبيه القديمة باغلان . فاجتهد في بث العلم ونشر الدين ومحاربة البدعة وإقامة السنة على غاية من الورع والزهد والعبادة فانتفع به وتخرج عليه خلق كثير منهم: سيدي مبارك بن عبد العزيز السجلماسي، والعلامة القاضي الاعدل: سيدي عبد الملك بن محمد التاجموعتي، واخواه سيدي محمد وسيدي احمد، والفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الهشتوكي، والشيخ الفقيه منصور بن احمد التايرسوتي، والفقيه أبو سالم إبراهيم بن محمد الهشتوكي، والعلامة أبو سالم العياشي، والشيخ الإمام أبو على اليوسي، صاحب القصيدة الدالية التي مدح بها الشيخ سيدي محمد بن ناصر، وغيرهم. ثم دلته العناية الالهية وارشدته القدرة الرحمانية إلى الأخذ في جمع الكتب واقتنائها نسخا وشراء فنسخ بخط يده الكريمة عدة كتب منها: القاموس، وامالي ابي علي القالي، وبعض كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه, كما اعتنى بتصحيح الكتب ومقابلتها وكتابة الفوائد على هوامشها. ولعل اكبر دليل على مكانة الشيخ سيدي محمد بن ناصر العلمية.
اقوال بعض العلماء عنه
- قال عنه سيدي محمد بن الطيب القادري، في كتابه ( نشر المثاني): لولا ثلاثة لانقطع العلم من المغرب في القرن الحادي عشر لكثرة الفتن التي ظهرت فيه وهم : سيدى محمد بن ناصر في درعة وسيدي محمد ابن ابي بكر الدلائي في الدلاء وسيدي عبد القادر الفاسي بفاس.
- قال عنه االشيخ ابو سالم العياشى : هو شيخنا الحافظ الجامع الزاهد الخاشع، الين أهل زمانه عطفا واشدهم لله خوفا،الموفق فى السكون والحركة،المقرونة احواله بالبر والبركة، كان رضى الله عنهر شديد الاتباع للسنة فى سائر احواله حتى فى لباسه و اكله وفى انواع العبادات و العادات.
- وقال عنه المحبى وهو من علماء دمشق فى كتابه خلاصة الاثر: ابو عبد الله محمد بن ناصر الدرعى المغربى النحوى الناظم الناثر مجدد الطريقة الشاذلية مربى العلماء والفقهاء بركة المغرب صاحب الكشوفات وواحد الدهر اجمع اهل المغرب على جلالته وعظم قدره وما أظن احدا بلغ رتبته فى الاشتهار عندهم مثله.
حاله في زاويته في بداية امره ووفاة والديه
لقد تحمل سيدي محمد بن ناصر وصبر غاية الصبر في بداية أمره على معيشته وكسوته حتى كان ينام مع أهله على التراب وربما افترش ليفا أو جريد نخل وقد أرسل اليه تلميذه سيدي منصور بن احمد التايرسوتي حصيرا ليفترشه فاثر به كتبه على نفسه وحشمه فانه وضع ذلك الحصير تحت الكتب وقاية لها من رطوبة الارض الى ان فتح الله عليه غاية الفتح.امضى رضوان الله عليه خمس سنين بالزاوية ثم توفي الشيخ الاكبر الزاهد الناسك سيدي عبدالله بن حسين الرقي المعروف بالقباب. وقد ذكر الشيخ سيدي محمد بن ناصر في اجوبته ان سيدي عبد الله بن حسين مكث في القطبانية أكثر من أربعين سنة والدعاء عند قبره مستجاب. وفي عام واحد وخمسين والف (1051هـ)، توفيت السيدة العابدة الناسكة نفيسة زمانها ورابعة اوانها والدة الشيخ سيدي احمد بن ابراهيم السيدة ميمونة بنت عمرو بن احمد الانصارية .كانت صوامة قوامة قانتة من عجائب زمانها لا تلبس الا الثياب الخشنة مجابة الدعوة لا تقصد في حاجة الا قضيت ببركتها. وفي سنة اثنتين وخمسين وألف ( 1052هـ ) توفي والد سيدي محمد بناصر وهو سيدي محمد بن احمد بن محمد بن الحسين بن ناصر. توفي مغرب ليلة النصف من صفر ليلة الأربعاء وغسله الشيخ سيدي محمد بعد ان مرض ثمانية عشر يوما في الصيف ولم يعلق ببدنه وسخ الا ماء اصفر خرج من فمه عند استياكه واراقته. وكان الشيخ سيدي احمد بن إبراهيم وقت مرض والد الشيخ سيدي محمد بن ناصر قد سمع صوتا ولا يرى شخصا يقول: (يتوفى ليلة الاربعاء ولي من اوليائنا ورجل من رجالنا ) وكان ورده رحمه الله ورضي عنه خمسا وعشرين الفا من الهيللة ولا يفتر لسانه بعد ذلك عن قراءة القران ليلا ونهارا : خمسة أحزاب من القران وثلث دلائل الخيرات وبعضا من التنبيه للمرادي . وكان قليلا من الليل ما ينام.
ذكر وفاة الشيخ سيدي احمد بن ابراهيم الانصاري
وبعد ثلاثة أشهر من وفاة والد الشيخ سيدي محمد بن ناصر توفي الشيخ الأكبر والبدر الأكمل سيدي احمد بن إبراهيم الأنصاري رضي الله عن الجميع . وهكذا ينتقل امر زاوية تمكروت إلى الشيخ سيدي محمد بن ناصر بوصية من سيدي احمد بن ابراهيم وتوكيل منه اياه على جميع اموره من بعده . وكان مجموع المدة التي صحب فيها الشيخ سيدي احمد بن ابراهيم اثنتي عشرة سنة كما صحب سيدي عبد الله بن حسين خمس سنين.
وكان ولد للشيخ سيدي احمد بن ابراهيم من زوجته وقريبته السيدة الجليلة حفصة بنت عبد الله الانصارية، ثلاث بنات : خديجة المولودة فى المحرم سنة إحدى وخمسين وألف وميمونة المولودة ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين والف بعد وفاة أبيها وعائشة المولودة ليلة الجمعة الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاث وخمسين وألف.وقد كان سيدى احمد بن ابراهيم ترك الزواج فى حياة شيخه سيدى عبد الله بن حسين ويقول: أخاف ان تشغلنى الزوجة عن خدمة الشيخ، ولما توفى تزوج رضوان الله عليه، فانظر درجة محبته لشيخه. وقد حرص الشيخ سيدى محمد بن ناصر على تربية وتعليم بنات الشيخ سيدى احمد بن ابراهيم،ثم زوج السيدة ميمونة من ولده سيدى محمد الكبير وهى ام ولديه سيدى موسى وسيدى عبد الله، وزوج اختها من ولده سيدى على وهى ام ولده سيدى جعفر.
ثم ان سيدى محمد بن ناصر عاد الى اغلان ولزم التدريس و الخطابة بمسجدها الجامع، ولم يتصدر لمشيخة ولا لقن وردا مدة ثلاث سنوات. وفيها(اغلان)مرض بوجع الركبتين الى ان صار لا يقدر على القيام، فبينما هو كذلك اذ نزل من علو الدار الى اسفلها ما شيا على رجليه فساله اخوه سيدى حسين كيف حصل له ذلك وامكن، فقال له:ان الشيخ سيدى عبد الله بن حسين القباب جاءه وهو نائم فاخذ بيده ثم اوقفه وقال له: تقدم للصلاة، فتقدم فصلى به وبمن معه، فلما سلموا، تحدث اليه، و امره بتلقين الذكر وقال له: لا تعط ولا تلقن ما كنت القنه لان الهمم الان قصيرة، فيتركوا لك الجميع، فمن كنت القنه اثنى عشر الفا فلقنه انت سبعة الاف.
بعد هذه الإجازة الروحانية والرؤيا الصادقة و الكرامة الخارقة، اذن للشيخ سيدى محمد بن ناصر فى اتخاذ الفقراء وتلقين الاوراد، فعاد الى زاوية تامكروت مع اولاده و اولاد الشيخ سيدى احمد بن ابراهيم الانصارى وترك شقيقه سيدى حسين باغلان.
ومما كتب به الشيخ سيدى محمد بن ناصر رضوان الله عليه الى احد الاخوان بعد هذا الفتح المبين:(ابشروا فان لكم من الفضل عند الله ما ليس لكم فى حساب، بسلوك طريق العناية و الدخول فى الزمرة الغازية، وقد اخبرنى ابو العباس سيدى و مولاى احمد بن ابراهيم ان الشيخ سيدى عبد الله بن حسين لما قلده الله سياسة قلوب العباد،اخذ عهدا من ربه ان لا يسوق اليه الا من كتبه مقبولا عنده،و الولى لا ينطق عن الهوى).
نقل سيدى عبد الله بن حسين عن شيخه سيدى ابى العباس احمد بن على الدرعى الحاجى: من وقع عليه طابعنا تهنينا منه، ونشفع فى غيره من المحبين وغيرهم.وكان الشيخ سيدى محمد بن ناصر رضوان الله عليه يقول : المتعمش فى دينه متعلقا بحزبنا وكان من جملة فقرائنا خير من الحازم المتعلق بغيرنا.وهذا فضل من الله ونعمة، وبشرى عظيمة لنا ولكم معاشر الاخوان والفقراء المنتسبين لهذه الطائفة المخصوصة بهذا الفضل الكبير من الله، دون ان يدفعنا هذا الى التواكل والكسل و الخمول وترك اسباب الهدى و الفلاح.
حالته فى زاويته
كان رضى الله عنه امرا بالمعروف ناهيا عن المنكر،لا يترك بزاويته من يستعمل الدخان وغيره ولا يسمع بها ضرب دف ولا مزهر. وكان لا يعادى الايام، بل يسافر ويغسل ثوبه ويقلم اظافره فى اى وقت اتفق ويقول الايام كلها لله.وكان ينكر قول العامة: مساء ك، صباحك. ويقول انه بدعة قبيحة.وينكر قولهم : حاشاك ، وما اشتكيت عليك،ويقول :انه بدعة ولكنها اخف من الاولى،لان الاولىتصرم سنة السلام وتنسخها فكان انكاره لها اشد.وكان ينكر قول المؤذن : اصبح ولله الحمد ، ويقول انه بدعة مستهجنة، وأول من احدثها محمد بن تومرت. وكذلك قول الخطيب و نحوه : (بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) عند النطق بأية من القران الكريم، بدعة مستهجنة.
قال: واجتماع الناس فى ربيع الاول لمدح النبى صلى الله عليه وسلم جائز وان لم يكن من عمل السلف.
اما نوافله رضوان الله عليه فهي : قال: اما نحن فنصلى:
- أربع ركعات قبل الظهر و اربعا بعده
- أربع ركعات قبل العصر
- ست ركعات بعد المغرب
- عشر ركعات قبل الصبح وركعتين للشفع وواحدة للوتر
- ركعتان للفجر
- ثمان ركعات للضحى
قال : وعدد النوافل غير محصور، فليصل كل إنسان ما تيسر له و الأفضل من ذلك ما داوم عليه صاحبه وان قل. وكان رضى الله عنه يصلى المغرب يوم الجمعة ب: الكافرون و الاخلاص، والعشاء ب :الجمعة و المنافقون، والصبح بالسجدة وهل اتى على الانسان.وكان يامر اصحابه بصيام الاثنين والخميس، ولا يقضيهما المسافر اذا افطر. كتب الى بعض طلبة تلمسان جوابا عن سؤالهم اياه الدخول فى زمرته:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،فانى احمد اليكم الله الذى لا اله الاهو،اما بعد،فقد تاملت خطابكم بلغكم الله ما طلبتم، وأوصيكم بالتقوى و اتباع السنة ومخالفة الهوى وشهود المنة، وهذه سيرة اشياخنا. واما الرزق فلا تهتموا به فان الله هو الرزاق ذو القوة المتين.وليكن اهتمامكم بما يقربكم الى ربكم و أوصيكم بتقوى الله ،ولا ترجوا ولا تخشوا الا الله …..فان رغبتم فى الدخول فى السلسلة فصححوا التوبة بشروطها وعليكم بتقوى الله والتوكل عليه فى جميع الامور والتاهب ليوم النشور والتزودلسكنى القبور،واذا فرغتم من الاذكار الماثورة بعد صلاة الصبح فقولوا: استغفر الله مائة مرة، اللهم صل على سيدنا محمد النبى الامى وعلى اله وصحبه وسلم تسليما، وكذلك لا اله الا الله ألف مرة. هذا إذا كان ممن يعانى في القراءة وكان ذكرا،وأما المرأة فحسبها من الهيللة مائة. وان استطعتم الا يفتر لسانكم عن لا اله الا الله في كل وقت وحين فهو الكمال. والمختار اطالة المد ان كان يستجلب بذلك مزيد خشوع وافضل الاوقات للورد مابين الفجر والطلوع فان استوفاه حينئذ كفاه الى غد الا ان الافضل الا تكون له ساعة خالية من ذكر الله وان لها عنه في ذلك الوقت فيذكره وقت ما تيسر فان مابين الصبح والصبح وقت واسع له واعلم ان طريقة اشياخنا هي جعل الاوراد كلها وردا واحدا وهي الهيللة التي هي الذكر الأعظم بعد التوطية له بالاستغفار والصلاة على النبي المختار . وليس ذلك العدد ما يفعله المريد بل كل على حسب طاقته وتوفيق ربه ويتركون كل ما سواه من الاحزاب والوظائف والدعوات الا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوة القران . واما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فياتون منها دبر كل صلاة بمائة بعد تقديم الاستغفار كذلك، وياتون منها بين المغرب والعشاء بالف ويختمون دلائل الخيرات في كل جمعة ثلاث مرات، فيختمونه كل يوم جمعة ويقرؤون في غير يوم الجمعة ثلثه كل يوم. يبدؤونه يوم السبت ويختمونه يوم الاثنين ثم يبدؤونه يوم الثلاثاء ويختمونه يوم الخميس ويختمون تنبيه الانام على مثل ذلك واما القران فيختمونه في كل اثني عشر يوما يقرؤون في كل يوم خمسة احزاب.
وفاة الشيخ رضي الله تعالى عنه
اعتراه مرض السوداء الذي كان يعتريه ليلة بعد العشاء الاخرة فقاء دما وهو حينئد في بيت زوجته السيدة حفصة الأنصارية ام خليفته سيدي احمد، ومن الغد اصبح فارغ الجسم من الدم كان وجهه ورقة مصحف، وتمادى به المرض، فاستأذن أن ينقل إلى بيت زوجته القوامة الصوامة العالمة العابدة الناسكة السيدة زينب بنت احمد بن يوسف، فاذن له ومكث به اياما وحاول الانتقال الى بيت الشيخ سيدي عبدالله بن حسين القباب رضي الله عنه بالخلوة فلم يستطع وشق عليه ذلك ثم استمر على حاله مريضا ثم استطلق بطنه عناية من الله لتحصل له مرتبة الشهادة واقبل الناس يعودونه افواجا افواجا وهو رضي الله عنه يعظ ويوصي ويوذن بالارتحال ويتوقع حضور الفوت ويتعبد باذكاره في ليله ونهاره ستة عشر يوما إلى أن قبض رضي الله عنه. فسجاه القوم وغطوه ثم قاموا لصلاة المغرب، وقد صفرت منه الارض في شهر صفرغروب يوم الثلاثاء السادس عشر من سنة خمس و ثمانين والف وهو ابن اربع وسبعين سنة . فضج الناس بالبكاء وناحت الجن لفقده، وامطرت السماء رذاذا وازهرت ليلة وفاته ضياء لا يشبه ضوء الشمس ولا القمر ولاح من السماء نور مستطيل أضاءت له الارض. ثم ابرزوه صبيحة ليلة وفاته وهو يوم الاربعاء فتولى غسله اخوه الشيخ سيدي حسين واولاده الذين حضروا وفاته ، ثم ابرزوه للصلاة عليه ثم حمل نعشه الى مقبرة الشهداء وتولى الصلاة عليه ابنه وخليفته المرتضى ابو العباس سيدي احمد بن محمد ناصر ثم اد لوه في قبره بروضة الاشياخ وقبره بازاء شيخه واخيه في الله سيدي احمد بن ابراهيم رضي الله عنهم اجمعين.
قال ولده سيدي احمد الخليفة في رسالة بعث بها الى سيدي ابي العباس احمد بن عبد القادر الفاسي … ” ولم يشتك من مرض الى ان مات ولو عضوا واحدا ، اذا قلت له ما تشتكي يقول لي : لا اشتكي شيئا سوى الضعف فكان اولا يتوضا ويصلي قائما ، ثم بعد ذلك ضعف عن القيام وانتقل الى الجلوس ثم ضعف عن الماء وانتقل الى التيمم ثم ضعف عن الجلوس وانتقل الى الاضطجاع … ودخلت عليه يوما قدس الله سره وجلست عنده فقال لي : ان شدة حرصي على اتباع السنة لا تخفى عليك من اول شبابي الى الان ، واهل البلدة قد خالفوا السنة في سد قبورهم بالخشب ، وانما السنة سدها باللبن وخشيت ان اجتهد في اتباع السنة من اول عمري الى اخره ثم اختمه بالبدعة … فامر من يضرب اللبن لتسدوا به قبري … واوصانا رضي الله عنه قائلا : اوصيكم باتباع الحق وبالتراحم والصبر والقناعة وترك الفضول وهم الرزق وخوف الخلق والرضى عن النفس وبقوله تعالى : ادفع بالتي هي احسن . وبعث رضي الله عنه يوما الى الشهود وعمي حسين والحاج احمد وقال لهم : اني لم اترك على ذمتي ولو خاتما من حديد فكل ما تركته فهو لله صدقة كصدقة عمر رضي الله عنه ولم اترك لاولادي ولا لاولاد اخي ما يقسمون، واحمد ابني هو خليفتي.
محمد المكي بن ناصر