إن رؤية العبد فعله واحتجابه به عن ربه ومشاهدته له: علة في طريقه موجبة للتوبة.
وأما رؤيته له واقعا بمنة الله وفضله وحوله وقوته وإعانته: فهذا أكمل من غيبته عنه، وهو أكمل من المقام الذي يشيرون إليه، وأتم عبودية وأدعى للمحبة وشهود المنة، إذ يستحيل شهود المنة على شيء لا شعور للشاهد به البتة.
والذي ساقهم إلى ذلك: سلوك وادي الفناء في الشهود فلا يشهد مع الحق سببا ولا وسيلة ولا رسما البتة. ونحن لا ننكر ذوق هذا المقام وأن السالك ينتهي إليه ويجد له حلاوة ووجدا ولذة لا يجدها لغيره البتة.
وإنما يطالب أربابه والمشمرون إليه بأمر وراءه، وهو أن هذا هو الكمال وهو أكمل من حال من شهد أفعاله ورآها، ورأى تفاصيلها مشاهدا لها صادرة عنه بمشيئة الله وإرادته ومعونته فشهد عبوديته مع شهود معبوده ولم يغب في شهود العبودية عن المعبود ولا بشهود المعبود عن العبودية فكلاهما نقص والكمال: أن تشهد العبودية حاصلة بمنة المعبود وفضله ومشيئته فيجتمع لك الشهودان.