الإمام امحمد بن عبد الرحمان بن سليمان الجزولي دفين روض العروس بمراكش، أشهر
شخصية طرقية عرفها المغرب. ويرجع المؤرخون نسب الإمام الجزولي إلى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه. رأى النور في مدشر «تانكرت» في سوس ببلاد الساحل، على واد يعرف بهذا
الاسم، وبقي تاريخ ولادته مجهولا لدى المؤرخين، في حين توفي حوالي عام
870ه/1465م.
وقد خرج الإمام الجزولي في اتجاه مدينة فاس لطلب العلم، فنزل بمدينة
«الصفارين»، وكان يعيش حياة عزلة وتأمل، ليسافر بعد ذلك إلى المشرق للإتصال بالعلماء
والشيوخ المربين. قضى به سبع سنوات طاف فيها مدن الحجاز ومصر ومدينة القدس، وأخذ العلم بالأزهر على يد عبد العزيز
العجمي، ليعود إلى مدينة فاس ثانية، ويؤلف هناك «دلائل الخيرات»
أو«الدليل»، كما يسميه مريدوه من المغاربة. وقد أخرجته وزارة الأوقاف في طبعة
جديدة بلغ سعرها عشرة آلاف درهم للنسخة، وكان هذا الكتاب عمدة الجزولي في ورده،
الذي يقوم على سلكتين من «دلائل الخيرات»، ومائة ألف من «بسم الله الرحمان
الرحيم»، وسلكة وربع سلكة من «القرآن الكريم».
وتختلف الروايات حول توقيت زيارته لمراكش، وتعرفه بها
إلى مريده عبد العزيز التباع.
وتعتبر آسفي من المدن الأولى التي ظهر فيها
نفوذ الجزولي، ساعد على ذلك استعداد أهلها لتقبل الطريقة، بالإضافة إلى وقوعها في
منطقة لها تاريخ عريق في التصوف وتقديس الأولياء، وهي ركراكة. فبعض رجالاتها
يدفنون عند مصب تانسفت بالقرب من المدينة، لذلك بلغ مريدوه بها خمسة وستين وستمائة
واثني عشر ألفا.
ويتميز التصوف بمراكش، ابتداء من الجزولي، وما بعده -حسب
حسن جلاب- بما عرفته الطريقة الجزولية من تصرفات غطت المدينة والإقليم، ونشرت بها زوايا تابعة
لها، وبأهمية الأدوار السياسية لهذه الطرق، خلافا لما كان عليه الأمر من قبل، في
رابطة الغار، ومذهب أبي العباس، والطريقة الهزميرية، التي كانت لها اهتمامات
تربوية اجتماعية أكثر من غيرها.
ومن بين أهم المبادئ التي تقوم عليها الطريقة الجزولية،
هناك المداومة على ذكر الله تعالى والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
وكذا جعل الشيخ ضروريا للسلوك (من شرط التائب أن يقتدي بشيخه)، والاتصاف بالأخلاق
الحميدة المتمثلة في محبة الخالق، وقلة النوم، والصبر وعدم الشكوى من برد أو حر،
وتجنب الغضب والحقد، والزهد في المال والجاه، وعدم ترك ما يورث، إضافة إلى مبدأ
الجهاد في سبيل الله، ويعد هذا المبدأ أهم ما جاء به الإمام الجزولي، فهو يحث على
مواجهة الدخيل الأجنبي، وكان يردد على أتباعه «دولتنا دولة المجتهدين المجاهدين في
سبيل الله».
وتفرعت الطريقة الجزولية إلى عدة طرق أبرزها الطريقة
التباعية، والطريقة العيساوية، والطريقة الغزوانية، والطريقة الفلاحية، وزاوية
سيدي رحال الكوش، والطريقة البعمرية، والطريقة القسطلية، والطريقة الوزانية،
والطريقة الشرقاوية، والطريقة الناصرية، والطريقة الدرقاوية، والطريقة التيجانية،
والطريقة الغازية، والطريقة الحمدوشية، والطريقة الحنصالية، والطريقة الكتانية.
وبالرغم من أن علاقة الجزولي بمدينة بمراكش كانت واهية،
إذ لم يزرها إلا مرة واحدة في حياته، حيث التقى تلميذه عبد العزيز التباع، فإنه
يعتبر واحدا من رجالاتها السبعة، بعدما نقل إليها جثمانه بعد وفاته بسبعة وسبعين
سنة من موته، حين خاف السلطان وقوع سوس في يد النصارى. فوجدوه يوم أخرجوه من قبره،
حسب ما ورد في الرواية: «كهيئته حال حياته، لم تعد عليه الأرض، ولم يغير طول
الزمان من أحواله شيئا، وأثر الحلق من شعر رأسه ولحيته ظاهر، كحاله يوم موته، إذ
كان قريب العهد بالحلق. ووضع بعض الحاضرين أصبعه على وجهه حاصرا به الدم عما تحته،
فلما رفع أصبعه رجع الدم كما يقع
في الحي». وقد خلف الإمام الجزولي مجموعة من الكتب منها
أهمها «دلائل الخيرات»، و«عقيدة الجزولي»، و«رسالة التوحيد»، و«كتاب الزهد».