عَلمٌ من أعلام المغرب والأندلس، وواحد من أهل الزهد والتصوف، ومشاهير أولياء المغرب. ابْنُ العَرِيْفِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ عَطَاءِ اللهِ الصّنْهَاجِيُّ الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَارِفُ، صاحب المَقاماتِ والإِشاراتِ، سير أعلام النبلاء، تصنيف: الإمام الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، و محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، ط1/1401ﮪ-1981م، 20/112. وُلد بألميرْيَة عاصمة صوفية الأندلس سنة481 ﮪـ بحوث في التصوف المغربي، حسن جلاب، ط1/1995- المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، ص: 15.
يذكر ابن الأبار: (أنّ “أصل أبيه من طنجة، نشأ وقد مسّته الحاجة فرفعه أبوه في صِغره إلى حائك يعلمه، وأبى هو إلا تَعلُّم القرآن والتعلق بالكتب، فكان ينهاه والده ويُخوَفه، ودار له معه ما كاد يُتلفه إلى أن تركه لقصده) الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، العباس بن إبراهيم السملالي، مراجعة، عبد الوهاب ابن منصور، ط2/1993م، المطبعة الملكية، الرباط، 2/6. . والمعروف أن ابن العريف “دَرَس على مشاهير علماء طنجة، فبرز في الحديث واللغة والأدب بحوث في التصوف المغربي، ص: 10. حيث عاصر كبار العلماء والشيوخ في عصره وصَحبهم، وأخذ عنهم، أمثال: حُجة الإسلام أبي حامد الغزالي الذي تأثر بطريقته، والقاضي أبي بكر محمد بن العريف، ومحمود الزمخشري، والإمام المازري، وأبي بكر الطرطوشي وغيرهم المطرب بمشاهير أولياء المغرب، تأليف عبد الله بن عبد القادر التليدي، دار الأمان الرباط، ط4/2003م، ص: 32.
ويذكر الذهبي في السير العديد من شيوخه في العلم كأبي الحسن البَرجيَّ، ومحمد بن الحسن اللَّمغاني، وأبي الحسن بن شفيع المقرئ، وخَلَف بنَ محمد العُرَيبي، وأبى بكر بن الفصيح، واختص بِصُحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بُريال سير أعلام النبلاء، 20/111-112. ، وغيرهم من الشيوخ الكبار الذين أخذ عنهم علم التصوف كالشيخ ابن برجان، و أبي بكر بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري، و أبي محمد أحمد بن محمد المعارفي أبي سعيد أحمد بن الأعرابي وهؤلاء عن شيخ الطريقة أبي القاسم الجُنيد بحوث في التصوف المغربي، ص: 16.
كان متناهيا في الفضل والدين، منقطعا إلى الخير، وكان العُبّاد وأهل الزهد في الدنيا يقصدونه ويألفونه فيحمدون صحبته كتاب الصلة، أبو القاسم خلف بن بشكوال، اعتنى به ووضع فهارسه: صلاح الدين الهواري، المكتبة العصرية-بيروت، ط1/2003م، ص: 81-82 . حتى أمسى عَلما عاليًا شامخًا، يتوارى عن الشهرة، لا يُحبذ الجاه، ولا كثرة المال، بل التواضع، ومجاهدة النفس، بالتقرب إلى الله والتّذلل إليه، والتحلي بالعلم والأخلاق. أخذ ابن العريف من صنوف العلوم من حديث، وتفسير، ورواية، وتجويد، وقراءة الشيء الكثير، فأبهر خاصة الناس وعامتهم ممن عاصروه وترجموا له. يقول التنبكتي: (كان من المحدثين والقراء المجودين، ثم غلب عليه الورع والإيثار، فأصبح من أعلام التصوف ورجال الكمال) نيل الابتهاج، أحمد بابا التنبكتي، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، ط1/2004م، 1/62 .
قرأ ابن العريف القرآن على يد “أبي الحسن البرجني بألميرية، وعلى أبي القاسم ابن النخاس، وأبي جعفر الخزرجي بقرطبة، وسمع الحديث عن أبي علي الصدفي، وتصدر بألميرية وقد قرأ بسرقسطة، وولى الحسبة الإعلام، ص: 2/6. أما قراءته بالروايات، فكانت على يد أجلاء عصره من القُراء والرواة من أصحاب أبي عَمرو الداني، وقد لبس الخرقة من أبي بكر عبد الباقي المذكور آخر أصحاب أبي عُمر الطَّلَمَنْكِيِّ سير أعلام النبلاء، ص: 20/113.جمع ابن العريف رحمة الله عليه في تناسق فريد بين علوم الشريعة وعلوم الحقيقة، وواكب ركب الزهاد والأئمة الكبار، حتى لُقب بـإمام الزهد، واعتُبر أيضا “من أول المفسرين لتصوف الغزالي بالمغرب. يقول إبراهيم السملالي: “فقيه زاهد إمام في الزهد، عارف محقق” الإعلام، ص: 2/6. ويقول التنبكتي: “فقيه زاهد، عارف محقق…كان يكتب سبعة خطوط لا يشبه بعضها بعضا بغية الملتمس، الضبي أحمد بن عميرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008، القاهرة، ط2، ص: 166
عُرف رحمة الله عليه بالكرامات المستطابة، والدعوات المستجابة، ولما كان ببلده ألميرية على أحواله الحسنة المرضية في الجد والاجتهاد، وملازمة الأذكار والأوراد، وصُحبة العُباد والزهاد، غار منه قاضي ألميرية المعروف بابن الأسود، وحَمَلَهُ مَقت الحسد على أن كتب للخليفة بمراكش علي يوسف ابن تاشفين، وكان أمْرُ الأندلس إليه، وخوّفه في الكتاب من حال ابن العريف، فكتب الخليفة لعامله بألميرية أن ابعث إلينا ابن العريف، فأمر به العامل فأُدخل في القارب ليخرج به في البحر إلى سبتة، فأشار القاضي على العامل بتكبيله فكبّله، فلقيَه العدو في البحر فحمله أسيرا، فلما وصل إلى سبتة وافاه رسول السلطان بالأمان، وأن تُحَل قيوده ويُسرّح، فوصل إلى مراكش وأقبل عليه السلطان وعظمه وأبان حقه وأكرمه وسأله عن حاجاته، فقال: ليس لي حاجة إلى أن تُخلي سبيلي وأذهب حيث شئت، فأذن له في ذلك، فلما خاب سعي ابن الأسود فيما أراده في فساد ابن العريف، تحيّل عليه أن جعل له سُمّا في الطعام فأكله ابن العريف فمات. الإعلام، ص: 2/10. قال ابن إسحاق: (فلما عَلِم السلطان بما كان من القاضي ابن الأسود في جانب ابن العريف قال: لأعذبنّهُ ولأسمنّهُ كما فعل بابن العريف، فبعثه إلى سوس الأقصى وأمر أن يُسقى سُمّا هنالك، فامتثل ما أُمر به فمات هنالك) التشوف إلى رجال التصوف، ابن الزيات يوسف ابن يحيى التادلي، تحقيق: عمر علي، مكتبة الثقافة الدينية، ط1/2007، ص ص: 99. .
دفن رحمة الله عليه في الجامع القديم بوسط مراكش في روض القاضي عياض موسى بن حماد الصنهاجي سنة 536 هـ المصدر السابق، ص: 99.