أبو العباس أحمد بن عبد القادر التستاوتي، احد اكبر العلماء العارفين بالحقائق و التجليات و الأسرار في القرن العاشر وبداية الحادي عشر.
لم تنصفه الوثائق التاريخية وكتب التراجم المختلفة ولم تتحدث عن مسار تكوينه العلمي ولا عن شيوخه او محنته في سجن فاس الجديد وانتقاله بعد العفو السلطاني عنه الى مدينة مكناس حيث قضى بقية عمره حتى تاريخ وفاته.
قال عنه عبد الرحمن بن محمد السجلماسي المعروف بابن زيدان:( احمد بن عبد القادر بن عبد الوهاب بن موسى ابن الشيخ سيدي محمد ابن مبارك التستاوتي … كان عالما عاملا كاملا ممتع المجالسة في نيل الفضائل ومعرفة حقوق الافاضل) .
وقال عنه صاحب الاستقصا : (ومنهم الولي الصالح العامل العارف الشهير الشيخ ابو العباس احمد بن عبد القادر التستاوتي من كبار أصحاب الشيخ ابن ناصر ومن حفدة الشيخ ابن عبد الله محمد بن مبارك). وقال عنه قبلهما تلميذه ابو العباس احمد بن عاشر الحافي: (شيخنا الامام، وقدوتنا الهمام، قطب أهل الدائرة، الجامع بين الشريعة والحقيقة، مولانا أحمد بن مولانا عبد القادر الحسني التستاوتي رضي الله عنه ومتعنا بحياته).
تؤكد هذه الشهادات المركز العلمي للرجل باعتباره شخصية فذة وقامة شامخة من كبار علماء عصره. وهذا لم يمنعه من الاعتراف لبعض معاصريه بالتقدم و السبق كالعلامة ابي على الحسن بن مسعود اليوسي الذي قيل فيه:
من فاته الحسن البصري يدركه//// فليشهد الحسن اليوسي يكفيه
و قد رزق في ميدان الشعر ملكة واسعة قوية في سائر بحوره وأوزانه، وربما بلغت القصيدة الواحدة من اشعاره المئات من الابيات، كداليته الطويلة التي تربو على ستمائه بيت كان نظمها سنة 1125 هـ يمدح خير البرية سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم وكان عارض بها دالية الشيخ اليوسي في مدح الشيخ سيدي محمد بن ناصر رحمه الله. يقول في مطلعها:
عرج بأطلال الاحبة واقصد // آثارهم يوما لعلك تهتدى
وأجز اذا شئت الديار بمنزل// قد ضم أجداث العشير الهمد
جمع شعره في ديوان من ثلاثة أجزاء وقف على جزء منها المؤرخ الكبير المولى عبد الرحمن ابن زيدان في الجزء الاول من الاتحاف. وله غير ذلك رسائل جمعها تلميذه الحافي تضمنت سلسلة من الفوائد و الاذكار والمراسلات والأسئلة والأجوبة والمكاتبات، منها ما كان بينه و بين شيخه سيدي محمد بن ناصر . و عقد جواهر المعاني في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني ، و نظم رجال الحلية مع شرح أوله، و نظم رجال الممتع، و نزهة الناظر، في
رسائله واشعاره التي كتبها في سجنه ذكرها له صاحب الاعلام، ومن جملة ما تضمنته أن المهديين ثلاثة: أولهم مهدي الموحدين ابن تومرت، والثاني يظهر في أول المائة الثانية عشرة والثالث في زمن الدجال، ويكون والله أعلم في أول المائة الثالثة عشرة. وقد علق ابن زيدان على كلامه هذا بقوله: وقد علمت أنه لم يظهر شيء من ذلك الى الان عام1337.
ذكر محنته رحمه الله :
ذكر انه ادعى الشفاعة في أهل عصره، و انه كان يشير الى نفسه بانه صاحب الوقت أو المهدي أو غير ذلك، فرفع امره الى المولى اسماعيل العلوي رحمه الله، فامر بسجنه بسجن فاس الجديد سنة 1104 هـ، وبقي في السجن نحو سنتين، ثم اطلق سراحه.
غير ان صاحب طلعة المشترى يذهب الى ان ما كان بين التستاوتي و شيخه ابن ناصر من صدق في المقالة لا يمكن الا ان نظن به الصدق في ما اثر عنه ادعاؤه.
ذكر صاحب الاتحاف انه وقعت وحشة بينه وبين الشيخ الكامل العارف الواصل سيدي أحمد بن ناصر، فبقي مدة يترضاه، ويستنزل بمحاسن أدبه ورضاه، الى أن لبى مناديه، فنحر لتلقي تلك المنة كل ما ملكت يمينه من الانعام، وأوقد لقراءة كتاب الشيخ الشموع بالنهار، وقام عارى الرأس حافي القدمين لقبض الكتاب الكريم الذي ألقى اليه: (خفيف )
واذا لم يكن من الذل بد ))) فالق بالذل ان لقيت الكبارا
ليس اجلالك الكبار بذل ))) انما الذل ان تجل الصغارا
ثم حكى قصة فتية من أولاد الشيخ أبى يعزى في خروجهم للصيد و نزولهم علي التستاوتي. قال، فاكرمهم وطعموا وشربوا وحين خروجهم ، خرج ليشيعهم فوجد كلاب الصيد بالباب فأقسم أن لا ينصرفوا حتى يصنع للكلاب طعاما، ووقف عليها بنفسه حتى أكلت، فودعهم وانصرفوا شاكرين.
شيـوخـه:
منهم سيدي عبد الكريم الجزيرى و سيدي عبد القادر الفاسي الذي اجازه وقال له :صافحتك بما صافحني به الاشياخ الى أنس بن مالك رضي الله عنه. قال صافحني رسول الله (ص) فلم أر خزا ولا قزا كان الين من كف رسول الله (ص) و الحديث فيه روايات.
ويذكر التستاوتي في كتابه نزهة الناظر: وصافحني أيضا سيدي محمد بن ناصر الدرعي وأجازني عن أشياخه الذين صافحوه الى النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه يقول: (طويل )
وعاملني القطب الهمام ابن ناصر// وأوسعني برا وان كنت جافيـا
وقال عنه كذلك: ( اجتمعت معه سنة 1081 هــ وأقبل علي غاية الاقبال، ولم يتلفت لما صدر مني من قبيح الاعمال، واجازني في كتب العلم وصافحني، ثم عدت اليه سنة 1084 فأملني بما هو أهل له من الافضال، وقال لي: انت من أهل الانس والدلال … انت بضعة منى غدا يوم القيامة. وآخر ما سمعت منه: أوصيك بتقوى الله العظيم والتكبير على كل شرف) . ومن أراد المزيد من معرفة أشياخه فعليه بتلك المنظومة مع شرحها.
تلامذتـه:
منهم العلامة السيد عبد القادر بن العربي ابن شقرون وأحمد بن أبي عسرية الفاسي و العلامة أبو العباس أحمد ابن عاشر المعروف بالحافي و العلامة المؤلف النوازلي قاضي سلا السيد موسى الدغمي و كثير غيرهم.
وفاته ومكان ضريحه : توفى رحمه الله بمكناس ليلة الاربعاء فاتح رجب سنة 1127 هــ ودفن قرب روضة الشيخ عبد الله بن احمد خارج باب البردعيين وقبره هناك مزارة مشهورة. وله عقب بزعير يقال لهم القادريون .